اغلاق
اغلاق
  ارسل خبر

ما هي دلالات انتخابات البرلمان التركي الأخيرة - للشيخ رائد صلاح

 
يمكن أن أجمل دلالات انتخابات البرلمان التركي الأخيرة التي كانت يوم الأحد الموافق 2015/11/1 بما يلي: 
 
1. لا شك أن كل الشعب التركي عاش عرسًا ديمقراطيًا وأدلى بصوته لاختيار برلمانه وقيادته، وهو يتمتع بكامل سيادته وشرعيته وحريته، ويوم أن يقول الشعب التركي كلمته فلا صوت في الأرض يعلو فوق صوته.
 
2. الشعب التركي قال في هذه الانتخابات "نعم لحزب العدالة والتنمية" -ذي الخلفية الإسلامية- بنسبة 49.45%، وهكذا حصل حزب "العدالة والتنمية" على نسبة فوز غير مسبوقة في تاريخ كل الانتخابات التركية، وهكذا سَجَّل رقمًا قياسيًا تاريخيًا، وهكذا سيحصل على 316 مقعدًا من أصل عدد مقاعد البرلمان التركي البالغة 550 مقعدًا، وهكذا سيتمكن من تشكيل ائتلاف وحكومة لوحده، بعيدة عن الضغوط الحزبية من أي حزب تركي آخر، وبعيدة عن أجواء الاستغلال وتصيد الفرص وتحقيق المكاسب الضيقة التي قد يفرضها أي حزب تركي آخر على حزب العدالة والتنمية لو لم يكن قادرًا على تشكيل ائتلاف وحكومة لوحده، وهكذا سيتمتع الائتلاف التركي القادم والحكومة التركية القادمة باستقرار تام على مدار دورة انتخابية قادمة، ولا شك أن ذلك سينعكس تلقائيًا على مسيرة تركيا وستنعم باستقرار دائم في سائر شؤون حياتها الداخلية والخارجية، إلا من المنغصات الدموية التي قد يواصل إحداثها في تركيا كل من "داعش" وحزب العمال الكردي، إلى جانب بعض القوى الدولية التي ستواصل الكيد الأسود لتركيا، ومن الواضح أن الذي يقف في مقدمة هذه القوى الدولية الحاقدة: الصهيونية العالمية والصليبية العالمية والحقد الروسي والحقد الإيراني، وكل من يدور في فلكهم؛ أمثال السيسي وبلطجيته، وبشار وشبيحته، ومخلفات الماسونية التركية وجماعة "فتح الله كولن". 
 
3. إن كل حر عاقل، سواء كان تركيًا أو غير تركي، وسواء كان مسلمًا أو غير مسلم يدرك أن هذا الفوز الكبير التاريخي الذي أحرزه حزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات لن تقتصر آثاره على الصعيد التركي فقط، بل ستمتد آثاره على الصعيد العالمي والإقليمي بعامة، وعلى الصعيد الفلسطيني بخاصة، وإن من الواضح أن هذا الفوز الكبير التاريخي سيوفر أقوى فرصة لاستمرار مسيرة الأمن الدائم في تركيا إلى جانب استمرار مسيرة السلم الاجتماعي والازدهار الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، لأن هذا الفوز الكبير التاريخي سيحقق الاستقرار السياسي في تركيا واستقرار دور حكومة "العدالة والتنمية"، سيما والجميع يشهد أن حزب "العدالة والتنمية" يملك القيادة الحكيمة والشجاعة التي أحسنت قيادة تركيا وجعلت منها دولة متحضرة ذات دور مؤثر ومتألق محليًا وإقليميًا وعالميًا. 
 
4. إن كل حر عاقل يدرك أن تركيا كانت قد مرت بعقود غرقت فيها في الديون، وعانت من الانهيار الاقتصادي والفساد الإداري ونسبة البطالة العالية وتدني مستوى التعليم ومستوى الخدمات الصحية، بل وعانت من ضعف في شبكة البنى التحتية، بخاصة شبكة المواصلات، لدرجة أن بعض اللئام ظنوا أن تركيا ستبقى تبعًا لغيرها، ولكن فجأة برز دور حزب "العدالة والتنمية" فأنقذ تركيا من كل هذه الويلات التي عانت منها وأسقطت هيبتها، بعد أن كانت تقود خلافة إسلامية لا تغيب عنها الشمس، ولذلك من الواضح أن هذا الفوز الكبير التاريخي سيتيح لحكومة "العدالة والتنمية" أن تواصل تنفيذ مشاريعها العملاقة التي وعدت بها الشعب التركي، والتي أنجزت قسمًا منها؛ مثل ممر القطارات، الذي بات تحت البحر يجمع بين شقي إسطنبول والمطار العملاق، وصناعة ممرات مائية جديدة، وشبه جزر جديدة للسياحة على امتداد المضائق المائية التركية التي تمر عبر إسطنبول.
 
5. ولذلك أنا على يقين أن الناخب التركي عندما قال: نعم لحزب "العدالة والتنمية" فقد أراد من وراء ذلك بناء تركيا كبيت واحد وأسرة واحدة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، على اختلاف أنسابها وأعراقها، بعيدًا عن أي حزب أو جماعة سولت لهم أنفسهم الاستقواء بقوى صهيونية عالمية أو صليبية غربية أو باطنية حاقدة، لأن هذا الاستقواء بهذه القوى أو ببعضها لن يبني تركيا، بل الذي يبني تركيا هو رجالها ونساؤها وشبابها وأطفالها، وقوة العلاقة بين القيادة والجماهير، وهو ما كانت ولا تزال تحسن القيام به حكومة "العدالة والتنمية". 
 
6. وأنا على يقين أن هذا الفوز الكبير التاريخي لحزب العدالة والتنمية سيُعزز من قوة دور تركيا المرتقب محليًا وإقليميًا ودوليًا، لأن قوة هذا الدور لن تكون للشعب التركي فقط؛ بل ستكون قوة هذا الدور لكل المظلومين في أمتنا المسلمة وعالمنا العربي بعامة ولشعبنا الفلسطيني والقدس المباركة والمسجد الأقصى المبارك وغزة المحاصرة بخاصة، وستكون قوة هذا الدور لكل المضطهدين في الصين وبورما والصومال وأفريقيا الوسطى وسوريا ومصر واليمن وليبيا، وما أتمناه أن تكون هناك محاولة تركية مثمرة في الأيام القادمة لتجاوز حالة الانقسام التي تشهدها الساحة الفلسطينية. 
 
7. لقد راقب كل حر عاقل تجربة حكومة "العدالة والتنمية" منذ مطلع عام 2000 حتى الآن، فوجدها تقول : لن يكون الشعب التركي شبعانًا وجاره السوري في جوع شديد، ولا يمكن للشعب التركي أن ينعم بالحرية وفلسطين تحت الاحتلال، وإن مصير أنقرة وإسطنبول هو جزء من مصير مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس المباركة، وإن مأساة الطفل السوري الغريق "ألان كردي" هي مأساة كل طفل في تركيا!! ولو لم ينسجم الشعب التركي مع هذا الخطاب لما قال "نعم لحزب العدالة والتنمية" في هذه الانتخابات، ولما حقق هذا الحزب هذا الفوز الكبير التاريخي. ولأن هذا الخطاب هو محل التقاء بين القيادة التركية الرسمية وبين القاعدة الشعبية التركية فهذا يعني أن الشعب التركي قد منح ثقته لحزب "العدالة والتنمية" في هذه الانتخابات كي يواصل هذا الحزب أداء دوره المحلي والإقليمي والعالمي على ضوء هذا الخطاب.
 
8. على ضوء ما تقدم أعلاه لا أبالغ إذا قلت إن تركيا الآن مخولة أن تعمل على بناء محور عالمي إسلامي عروبي يحقق مظاهر قوة التكامل المطلوبة بين أعضاء هذا المحور المرتقب، نصرة لكل قضايانا الإسلامية والعروبية والفلسطينية، ووقوفًا في وجه أي محور عدواني يستهدف ثوابتنا الإسلامية والعروبية والفلسطينية ولا يتردد أن يستبيح دماءنا وأعراضنا وحرمة أوطاننا ومقدساتنا، ولعل من باب الوفاء للبرفسور المجاهد المرحوم نجم الدين أربكان، رائد الحركة الإسلامية في تركيا، أن تصمم حكومة "العدالة والتنمية" على إقامة هذا المحور الإسلامي العروبي، لأن إقامة هذا المحور كان من طموحات هذا البرفسور المجاهد، فهو الذي بادر بإقامة منظومة الدول الإسلامية الثمانية، وهو الذي دعا إلى اعتماد (الدرهم الإسلامي) كعملة مشتركة بين أوسع نطاق من الدول المسلمة والعربية، وهو الذي سعى لتجاوز حالة النفور التي كانت بين الأتراك والعرب، وبين الأتراك والأكراد، وهذا ما حرص عليه الشيخ النورسي رحمه الله. 
 
9. وأنا على يقين أن هذا الفوز الكبير التاريخي سيمكّن حكومة "العدالة والتنمية" أن تعمل جادة وفورًا على تقوية دعائم البيت التركي من الداخل وتذويب الحساسيات القائمة على خلفية تعدد الأنساب ما بين تركي وكردي، لأن القوى الدولية الشريرة التي لا تخفى على أحد حاولت جر تركيا نحو حرب أهلية على خلفية هذا التعدد في الأنساب ما بين تركي وكردي، وهو أحد الامتحانات الصعبة التي تنتظر حكومة "العدالة والتنمية" في الأيام القادمة، ولكن ما دامت حكومة "العدالة والتنمية" حظيت بهذا الالتفاف الشعبي في هذه الانتخابات، فهذا يخولها أن تنجح بهذا الامتحان الصعب بإذن الله تعالى. 
 
10. وأنا على يقين أن هذا الفوز سيضاعف من حقد كل أعداء تركيا على تركيا، وسيضاعف من كيدهم ومكرهم ومن تربصهم بتركيا التي تجاوزت الخطوط الحمراء وفق حساباتهم، وقد يحاولون استدراج تركيا إلى صراعات إقليمية عسكرية، وقد لفت انتباهي قول حاخام يهودي خلال إلقائه لكلمة في مسيرة ذكرى مجزرة كفرقاسم التي كانت في تاريخ 2015/10/29، حيث وصف الخلافة العثمانية بتعبير "الاحتلال التركي"، وهذا ما يتساوق مع الأوصاف الهجومية التي أطلقها "نتنياهو" على تركيا خلال السنوات القريبة الماضية، وهذا ما يجعل من الأيام والليالي القادمة حُبالى، وهذا ما يلزم حكومة العدالة والتنمية أن تحافظ على يقظة دائمة كأنها في حالة طوارئ، على مدار هذه الدورة الانتخابية القادمة التي أظن أنها ستكون مصيرية في مسيرة تركيا. ولذلك لا يسعني إلا أن أختم هذه المقالة بتقديم المباركة إلى تركيا وإلى الشعب التركي وإلى الرئيس أردوغان، والرئيس أوغلو، ثم لا يسعني إلا أن أدعو لتركيا ولشعبها بالخير والحفظ والبركة، وإلى الأمام برعاية الله تعالى. 

بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]

أضف تعليق

التعليقات

تعليقات Facebook