اغلاق
اغلاق
  ارسل خبر

شواهد عمرانية أثرية على ازدهار يافا العثمانية

 
بخلاف كثير من شقيقاتها، بدأت يافا تشهد ازدهارا في نهايات الحكم العثماني وقبل بدء فترة الانتداب البريطاني ولذا تمثل فيها حتى اليوم معالم عمرانية من فترة الحكم التركي صمدت رغم توالي الأيام والهدم والهجران، من أبرزها مسجد حسن بيك، وبرج الساعة، ومسجد المحمودية وسبيل أبو نبوت، ويلقي هذا التقرير الضوء على هذه الرباعية الأثرية كمثال. ووقتها استمدت يافا قوتها الاقتصادية من مرفئها ومن بيارات الحمضيات التي صدرت إلى العالم أشهر وأشهى أنواع البرتقال وما لبثت أن صارت البرتقالة هوية المدينة كما يروي عنها وعن دورها الراحل هشام شرابي في كتابه الممتع «يافا عطر مدينة».
 
حسن بيك: مسجد عثماني في قلب تل أبيب يحرس هوية يافا
 
جامع حسن بيك في مدينة يافا داخل أراضي 48 معلم من معالم صمودها والحفاظ على هويتها الفلسطينية لا سيما بعد هدم حي المنشية القائم فيه في قلب تل أبيب. لا يسع القادم إلى يافا من جهة نهر العوجا وتل أبيب في شمالها إلا أن يمر عن جامع حسن بيك ابن المئة عام وهو قابع في مكانه صامدا كالطود رغم إحاطته غير البريئة بالمباني العالية من كافة الجهات خلا جهة البحر الغربية. وجامع حسن بيك ويلفظ أيضاً حسن بيه أقيم عام 1916 بأمر من الحاكم العثماني ليافا حسن بيك الجابي وقد تمت تسميته على اسمه. وبني الجامع وفق نمط معماري فريد، حيث تم استعمال الحجر الجيري الأبيض بدلاً من الحجر الأصفر المتعارف عليه في أبنية تلك المنطقة منذ القدم. وطراز البناء عثماني، وهو ذو قبة واحدة ومنارة واحدة أيضا. وتشكل منارته الاسطوانية المضلعة تضادا مع قاعة المصلين المربعة. وتتميز جدران المسجد بثقوب مزينة بنوافذ زجاجية ملونة جميلة، كما يحتوي المسجد على مئذنة شاهقة الارتفاع وأيضًا قاعة للصلاة مربعة. 
 
ومنذ تسليم المسجد إلى المسلمين، تعرض إلى العديد من الهجمات على أيدي المتطرفين اليهود، ففي عام 2001 وقعت عملية تفجير قتل على إثرها 21 إسرائيليًا، ما أوقد الحقد لدى اليمينيين الصهاينة، فوضعوا أقدامهم داخل وخارج المسجد وحاصروه من كل جانب، وقاموا برشقه بالصخور والزجاجات الحارقة، وصاحبت هذه الاعتداءات دعوات متطرفة للانتقام من العرب، ما أدى إلى هدم نوافذ المسجد وتدمير وحرق محتوياته الداخلية، وتطور الغضب إلى مواجهات في فلسطين.
 
ويوضح المؤرخ بروفسور مصطفى كبها لـ «القدس العربي» أنه قبل نكبة 1948 كان مسجد حسن بيك أعلى الأبنية في حي المنشية الواقع شرقاً منه. وعند احتلال هذا الحي في 1948 من قبل منظمتي الإيتسيل والليحي الإرهابيتين، جرى اقتراف الفظائع ضد المدافعين عنه وقد تم هدمه وإزالته عن وجه الأرض، وفقا للضابط السابق في وحدة الأرغون الإرهابية، التي احتلت يافا عام 1948 يوسف نحمياس، الذي قال في مذكراته، إنه تعهد ورجاله بهدم مسجد حسن بيك فور الاستيلاء عليه، ويتابع: بعد احتلال البلدة كنا على استعداد لتفجيره، ولكن جاء اعتراض صارم من قبل قائده، رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، مناحيم بيغن، وقال: إن القيادة الإسرائيلية تخوفت من أن ينظر إلى الدولة العبرية التي تسعى للتأسيس، أمام العالم على أنها تعمل على تدنيس أماكن المسلمين المقدسة. وبعد فترة وجيزة من تسليم المسجد للمسلمين، انهارت مئذنة الجامع بين عشية وضحاها، ووصف الانهيار رسميًا في التحقيقات بأنه حادث من قبل متطرفين يهود، وكان التخريب المتعمد من قبل الجماعات اليمينية المتطرفة، أو من قبل المحاربين القدامى من عام 1948 الرافضين للسلام مع العرب والفلسطينيين، ومع ذلك أعاد سكان يافا من العرب الفلسطينيين بناء المئذنة، حيث منحت حكومات الأردن والسعودية أموالا للقائمين على إدارة المسجد لإعادة ترميمه.
 
حذاء رئيس البلدية
 
ويرى المؤرخ البروفسور مصطفى كبها انه بعد النكبة تعرض المسجد إلى اعتداءات ومحاولات رسمية أيضا لهدمه بحجة التطوير، كان أكثرها جدية في العام 1981 لكن هبة أهل يافا وبمساعدة أوساط شعبية أنقذته وتم ترميم ما تصدع من أجزائه. ويستذكر كبها محاولات متكررة لتحويل المسجد لمتجر كبير ويقول إنه نجا بفضل تدخل مؤرخ إسرائيلي هو سفير إسرائيل سابقا في تركيا د. تسفي بيلغ، الذي أدرك القيمة التاريخية للمسجد فاعتصم أمامه عدة أيام. ويقول كبها إن بيلغ بادر لاحقا لاستدعاء رئيس بلدية تل أبيب ـ يافا وقتها شلومو لاهط لزيارة المسجد وإطلاعه على أهميته. ولما خرج منه رئيس البلدية وجد أن حذاءه قد سرق فأصيب هو ومرافقوه بالحرج وعندها سارع أحدهم لشراء حذاء جديد لرئيس البلدية فانتعله وغادر. بعد ساعة رن هاتف لاهط في مكتبه وعلى الخط الثاني سمع من يقول: «إذا أوجعتك سرقة حذائك فلك أن تتخيل وجع العرب الناجم عن سرقة مسجدهم بعد احتلال مدينتهم». وكان هذا صوت نجل تسفي بيلغ الذي هاتف الرئيس بناء على اتفاق مع مسبق مع والده المؤرخ اليهودي على سرقة حذائه لإيصال رسالة مباشرة له، وفعلا نجا المسجد من تزوير هويته. ولكن ذلك لم يسعف المسجد من اعتداءات جمة تعرض لها في الأعوام 2000 و2001 و2004 و2007 و2008. وقد أمطر مرة بالحجارة ومرات بالزجاجات الحارقة التي نجحت إحداها بحرق أجزاء منه.
 
كنيسة القديس بطرس
 
ومن المعالم التاريخية العريقة في يافا كنيسة القديس بطرس القلعة وهي كنيسة للكاثوليك الفرانسيسكان وتمتاز بإطلالتها على البحر الأبيض المتوسط. يعود تاريخ بنائها إلى الفترة العثمانية وتحديدا عام 1654 وذلك تخليدا للقديس بطرس، إلا أنها تعرضت للتدمير مرتين خلال القرن الثامن عشر أي خلال حكم العثمانيين فتم ترميمها والبناء الحالي يعود لعام 1888 وإن أحدث ترميم على التصميم كان في عام 1903. وتعتبر من أهم الكنائس ليس في يافا وحسب إنما في فلسطين كلها وذلك بسبب زيارة القديس بطرس الرسول خليفة يسوع المسيح لهذا المكان وبقائه ثلاثة أيّام عند شخص يُدعى سمعان الدبّاغ وفق المعتقدات المسيحية. وحسب هذه التقاليد فإنه أثناء بقائه في الموقع ظهر له ملاك الرب ثلاث مرّات وخلاله طلب من بطرس أن يأكل من لحوم جميع الحيوانات الدابّة التي خلقها الله ولكن رؤية القديس بطرس كانت متحفظة بسبب الشريعة اليهوديّة التي سار حسبها جميع تلاميذ المسيح آنذاك. رفض بطرس ثلاث مرّات من أكل لحم «دنس» ولكن في المرة الثالثة قال له ملاك الرب: «ما يحلّله الله لا يدنّسه الإنسان». ومن هنا ابتدأت عقلية القديس بطرس في التحول نحو طريق المسيحيّة الجديدة التي كشفت له أسرارا جديدة في الإيمان والرسالة المسيحيّة.
 
مسجد المحمودية
 
جامع المحمودية أو مسجد يافا الكبير معلم أثري يعود للحقبة العثمانية في فلسطين. يقع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، في البلدة القديمة قريبا من برج الساعة وهي الأخرى معلم عثماني وواحدة من مكونات الهوية المعمارية المشهدية للمدينة. وتم الانتهاء من تشييد المحمودية عام 1812 ويتكون من طابقين وهو على طراز عثماني، ذو قباب ست ومنارة واحدة. ويمتاز بضخامته وسبيل ماء يعرف بسبيل المحمودية أو سبيل ماء سليمان باشا وهو من أجمل السبل التاريخية في البلاد والمنطقة. المحمودية الذي نجا من الهدم يواجه منذ سنوات عمليات حصار متواصلة ببناء عمارات شاهقة من حوله تطمسه بالتدريج أخطرها مشروع روسلان السكني المتاخم وفندق القشلة. يشار إلى أن أرض مشروع روسلان السكني هي في الأصل أرض وقفية تتبع لمسجد المحمودية وعليها قامت ذات مرة مكتبة ومحكمة شرعية تتبع للمسجد، وتمت مصادرة الأرض وهدم المباني، ومن ثم السماح لشركة روسلان ببناء مشروعها السكني الضخم عليه، المكون من 14 شقة سكنية.
 
سبيل أبو نبوت
 
ويعتبر مؤرخون العقد الثاني من القرن التاسع عشر العهد الذهبي ليافا من ناحية عمرانية وذلك بفضل والي مملوكي مصلح اشتهر باسم ابو نبوت، فهو الذي أتم بناء السور حول المدينة، وأقام حولها خندقاً. وفي سنة 1816 أتم بناء المسجد شمال المدينة القديمة (مسجد يافا الكبير) «المحمودية» وهو أهم مساجد يافا القائمة حتى اليوم. وكذلك أقام أبو نبوت سبيلاً في الطريق بين يافا والقدس لا يزال باقياً حتى الآن وهو محاط بحديقة جميلة، وتعلوه قبة صغيرة وأربع قباب حمراء.
 
برج الساعة
 
تم تشييد هذا البرج في مطلع القرن العشرين، على يد السلطان عبد الحميد الثاني، وذلك احتفالا بمرور خمسة وعشرين عاماً على توليه السلطنة العثمانية. وقد بنيت أبراج مماثلة في عكا، وحيفا، ونابلس والناصرة وغيرها من المدن الفلسطينية. بُني برج الساعة على أرض تواجه بوابة يافا التي كان يأتي منها التجار من البلدان المجاورة، وكانت هذه الأرض تُرابية وخالية، تحيطها البيّارات والمقبرة البريّة، واستخدمت هذه الساحة كموقع لوقوف الحناطير وعربات الركوب التابعة للتجار. وشهدت الساحة الكثير من المعارك والمظاهرات والتجمعات الشعبية ضد الاستعمار والاحتلال، فارتقى فيها عدد كبير من الشهداء، ومن أهم الأحداث التي حصلت فيها، حادث تفجير سرايا يافا عام 1947 التي بسببها سميت بـ «ساحة الشهداء». ويعتبر برج الساعة أو ميدان الساعة من المعالم المهمة في يافا، بل هو قلبها ومركز النشاط التجاري فيها. وهو عبارة عن بناء مربع الشكل يرتفع حوالي من 30 إلى 40 مترا، وله بوابة حديدية في الدور الأرضي، وفي أعلاه قبة من النحاس. وداخل البرج درج يتم بواسطته الصعود إلى أعلى البرج وهو يقع وسط مدينة يافا بجوار سرايا الحكومة والمسجد الكبير (المحمودية) والقشلة ويسمى ميدان الساعة حول البرج التاريخي أيضا بساحة الحناطير أو ساحة السرايا وساحة الشهداء.












بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]

أضف تعليق

التعليقات

1
جميل جدا
محمد - 01/02/2017
رد
2
يافا الحبيبه اشتقتوا اليكي
- 01/02/2017
رد

تعليقات Facebook