اغلاق
اغلاق
  ارسل خبر

الحاجة أم هاني القطاع "صوم رمضان في يافا ذكريات لا تمحوها السنين"

 
لحديث ذكريات أيام البلاد شجون تؤلم الأجداد الفلسطينيين الذين هاجروا من مدنهم وقراهم عندما هاجمتهم قوات الإرهاب الصهيوني وطردتهم من بيوتهم، رمضان في مدينة يافا قبل عام 1948 كما ترويه الحاجة أم هاني القطاع التي تسكن منطقة التفاح غرب مدينة غزة؛ يمكنك أن تتلمّس تفاصيله وتتخيلها مع كل زفرة وتنهيدة تطلقها بحرارة وهي تتذكر بيت أبيها في شارع المنشية، وطقوس الاحتفال الذي تفتقده الآن.
 
مدفع رمضان
لا تتوقف الحاجة السبعينية عن سرد "الحواديت" لأحفادها الذين يريدوا أن يعرفوا الكثير عن مدينة يافا، المناسبات الدينية قد تكون أحد أهم الفعاليات التي كانت تزخر بها المدينة، تلك المدينة الساحلية التي كانت منفتحة على العالم بحكم مركزها التجاري، وجمال الإعمار فيها حتى أطلق عليها عروس البحر المتوسط، فكانت قبلة للسائحين.
 
"رمضان في يافا غير، كل شيء فيه كان حلو، مجرد أن يعلن العلماء أن غدًا هو أول أيام الشهر الفضيل، يضرب المدفع باتجاه البحر، فنعرف أن غدًا رمضان"، هكذا كان يتم الإعلان عن بدء الشهر الفضيل كما تتحدث أم هاني التي تتنهد بحرارة وهي تروي كيف يبدأ الناس في تهنئة بعضهم.
 
الاستعداد لرمضان في يافا كان يبدأ قبل الشهر بفترة ليست بسيطة، إذ تسعى النساء إلى تخزين المخللات والمأكولات التي يكثر استهلاكها في رمضان، وعلى أعتاب الشهر يشتروا من الأسواق كما اليوم الأجبان والتمر وقمر الدين، وكلها لا تشبه تمامًا ما نشاهده اليوم.
 
تقول:"الجبنة كانت أشكال وألوان، أشهرها النابلسية، يشتري الأطفال الفوانيس كعادة اليوم، ولكن كلها صناعة فلسطينية من مدينة يافا وليست صينية، يبدأ الأطفال في الليل "اللف" على البيوت وهم يحملون الفوانيس وينشدوا "حالوا يا حالوا رمضان كريم يا حالو، حل الكيس وأعطينا بقشيش إن شاء الله تعيش يا حالو".
 
طقوس الاحتفال بالشهر الفضيل ليست موجودة الآن، فقد كانوا يدوروا على البيوت ليلًا يحملون الفوانيس وينادوا على صاحب كل عائلة باسم ابنه، توضح:"مثلًا عندما كانوا يقفوا أمام بيتنا، ولأنني كنت البنت الوحيدة وإخوتي الشباب الثلاثة متزوجون خارج الحي، كان الأطفال ينشدوا (يسرى قاعدة في حضن إمها واللولو مشكشك على تمها "فمها" يا رب تخليها لإمها هي العزيزة الغالية" ويكملوا باقي الأناشيد مع كل بيت يقفوا أمامه،  وهذه الطقوس كانت يومية".
 
أما الفوانيس التي كانت ينتجها عمال مدينة يافا، فهي مصنوعة من الصفيح الرقيق الملون بأشكال وألوان مختلفة جميلة جدًا، وسطها من الداخل يشبه السلة توضع فيها الشمعة.
 
كانت بعض أسماء الأحياء في يافا تحمل أسماء أحياء في مصر، مثل المنشية والعجمي، المنشية كانت أحد أرقى الأحياء كونها مجاورة لمدينة تل أبيب كما تؤكد القطاع، أما اليهود فكانوا يتواجدوا بشكل عادي وبعضهم يستأجرون بيوتًا في يافا.
 
الحكواتي
طقوس الشهر الفضيل للرجال تبدو مختلفة، فبعد أن يتناول الناس طعام الإفطار في بيوتهم "وليس في الديوان كما في القرى"، يخرج الرجال إلى المقاهي كما تروي القطاع؛ ويجلسوا هناك لشرب الشاب والقهوة والاستماع للحكواتي الذي يبدأ قصته منذ اليوم الأول من رمضان وينتهي في نهايته.
 
تتنهد وهي تقول:"ساق الله على هيك أيام، كان صوت هتافهم يعلا مع كل فقرة يحكيها الحكواتي ويفرح عليها الناس، كإنه بيحكي شي حقيقي، بس كانت هداة بال".
 
أما النساء فبعد الانتهاء من أعمال المنزل يخرجوا مجموعات إلى البحر ويسبحوا ليلًا، تقول أم هاني:"كنت أسبح بفستان تحته بنطلون، لكن عامةً يافا كانت مدينة منفتحة جدًا، الفتيات الصغيرات لم يكنّ محجبات وملابسهم راقية جدًا لأن يافا مدينة تجارية، ولكن الستات الكبار كانوا يلبسوا "الملاية" السوداء، وغطاء رأس أسود، ويغطوا وجوههم بقماشة شفافة سوداء".
 
ولائم وسينما
كما يحدث اليوم، يهتم الناس في رمضان بإعداد الولائم والعزائم، ولكن كما تقول أم هاني "كان في هداوة بال، بيوتنا في يافا كانت جميلة، كنا نشتري عجينة القطايف من عند الحلواني ونحشيها بالمكسرات والقشطة في البيت، ونأخدها للفرن لأن البيوت لم يكن فيها أفران، فكان في كل منطقة فرن ندفع له شهرية".
 
لم يكن في يافا تلفزيونات، ولكن كان الناس يتابعوا الأخبار عبر الراديو والصحف، ولكن كانت تتمتع يافا بوجود العديد من دور السينما التي تعرض الأفلام المصرية مباشرة بعد عرضها في مصر.
 
تقول:"كان من عادة الناس الذهاب إلى السينما أفرادًا وعائلات، في رمضان كان الناس يشاهدوا السينما في المساء، عادة تقدم عرضان يوميًا، أتذكر سينما الحمراء وسينما رشاد وسينما الشرق، كانت دور السينما تخصص في طابقها الثاني ما يشبه غرف منفصلة للعائلات -مقصورات- سينما الشرق افتتحت قبل النكبة بثلاث سنوات، كانت توفر ألعاب خاصة بالشباب، مثل طرزان وألعاب تشبه الأتاري، دور العرض كانت راقية، لا أرى في غزة أي شيء مما كان يتوفر في يافا عام 48م".
 
أما صلاة التروايح فتقول:"كانت للرجال فقط، النساء يصلّوا في البيوت، ولكن كانت النساء تخرج مجموعات للفسح وشمة الهوا، أعرف أن هدا صعب اليوم ولكن كانت يافا مدينة حضرية".
 
العيد
أما العيد فله طقوس مشابهة مع اليوم، فتحرص العائلات على شراء الملابس الجديدة للأطفال، ويحرص الرجال على الزيارات العائلية وتقديم العيدية وتهنئة بعضهم وجيرانهم، ولكن قبل العيد بيوم كما تؤكد أم هاني كانت سيدة تأتي تنصب "شادر" – يشبه الخيمة، 
وتقوم بصنع "المش" أي لبن مضاف إليه قطاع الليمون وفلفل أخضر، فيصبح الطعم حامضًا، وتشتري منه نساء المنطقة.
 
تضيف:"كان الصيادون يقضوا ثلاثة أشهر في بحر العريش من أجل صيد الأسماك للفسيخ، يصيطادوا ويخزّنوا في مراكبهم، وإذا اقترب العيد يرجعوا ويبيعوا الفسيخ الذي يعتبر إفطار يوم العيد.
 
تكمل:"في العيد بيكون في مراجيح ضخمة تشبه مدن الملاهي، منطقة الألعاب عبارة عن ساحة كبيرة جدًا فيها أشكال متعددة من الألعاب ملونة ومزركشة، يوجد مثلها في مصر حتى الآن، لكن في غزة لا يوجد شيء الآن مثلها".
 
تكمل:"أما النساء في العيد فكانت لهم مراجيح خاصة في أماكن مغطّاة ومغلقة، وكانوا يتزينوا لاستقبال العيد".
 
حلوى العيد كما اليوم الحلقوم والشوكولاته، ولكن كلها بأشكال وأنواع مختلفة، تكمل:"في العيد كان يأتي شبان من القرى القريبة من يافا ويدبكوا دبكة شعبية، كان يتجمع الحي كله حولهم، نساءً ورجالًا، لرؤية الدبكة الشعبية وجمالها، كانت من أمتع الأشياء التي نشاهدها في العيد".
 
تعود أم هاني بذاكرتها للوراء وهي تقول حضرت فيلم الوردة البيضاء والانتقام، وحضرت أفلام لأسمهان وفريد الأطرش في سينما الحمراء، معظم الفنانين المصريين زاروا يافا.
 
لم تتوقف الحاجة أم هاني عن سرد ذكرياتها في يافا، لا شيء يشبهها سواء بالطقوس الجميلة أو راحة البال، ذهبت البلاد ولم يبق منها إلا الذكرى ولكن في عيون أحفادها الذين كانت تتحدث إليهم ما زالت ترتسم يافا بكل الملامح التي اعتادت أن تنقشها الجدة في ذاكرتهم منذ الصغر.

بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]

أضف تعليق

التعليقات

تعليقات Facebook