اغلاق
اغلاق
  ارسل خبر

بصمة الحركة الإسلامية في بناء الهوية والحفاظ عليها - للشيخ رائد صلاح

 
أدركت الحركة الإسلامية منذ بداية مسيرتها بوعي راشد أن للهوية إطاراً ومحتوى ، وإن أية هوية تفقد محتواها فهي اسم بلا مبنى ، ومظهر بلا جوهر ، وشكل بلا مضمون وهي في خطر التسيب ، وإن أية هوية تفقد إطارها فهي مبنى بلا عنوان وجوهر مجهول ومضمون غامض وهي في خطر النهب ، ولذلك من أراد أن يُحافظ على هويته قوية متماسكة حيّة فلا بد له أن يُحافظ على وحدة الحال بين إطارها ومحتواها ، وعلى هذا الأساس فقد أعلنت الحركة الإسلامية منذ بداية انطلاقتها أن هويتها هي الهوية الإسلامية العروبية الفلسطينية ، وأن إطار هذه الهوية ومحتواها هو الإطار والمحتوى الإسلامي العروبي الفلسطيني ، ولذلك فإن التمسك بهذه الهوية يعني للحركة الإسلامية ضرورة التمسك بإطار هذه الهوية والافتخار على رؤوس الأشهاد به والجهر به بصراحة لا تلعثم فيها هكذا كما هو اسمه (الإسلامي العروبي الفلسطيني) ، وإلى جانب ذلك ضرورة التمسك بمحتوى هذه الهوية وما يضم هذا المحتوى من أركان وأصول وقيّم وأخلاق وما نتج عن هذا المحتوى من تاريخ إسلامي عربي ومن حضارة إسلامية عربية ومن انتشار وامتداد عالمي إسلامي عربي ، ثم ما تبلور عن هذا المحتوى من دور واجب بات مُلقى علينا اتجاه أنفسنا نحن _المتمسكين_ بهذه الهوية الإسلامية العروبية واتجاه الآخر على صعيد شتى كل أهل الأرض ما دامت الحياة على هذه الأرض ، على اعتبار أن المتمسكين بهذه الهوية الإسلامية العروبية ليسوا مجرد ظاهرة عددية على هذه الأرض ، وليسوا مجرد كم لا كيف فيه ، بل هم أمة رحمة وحق وحرية جاءت لتملأ الأرض قسطاً وعدلاً وإن سعى الآخر أن يملأها ظلماً وجوراً ، وأدركت الحركة الإسلامية منذ بداية مسيرتها أن هذه الأبعاد الثلاثة (الإسلامي والعربي والفلسطيني) هي أبعاد متلاحمة ومتكاملة في هويتنا وليست متصادمة كما أخطأ البعض عندما ظن أنها متصادمة ، فمن دعا إلى العروبة كهوية متمسكاً بإطارها ومحتواها فلا بد أن يرده ذلك إلى البعد الإسلامي ، ومن دعا إلى الفلسطينية كهوية متمسكاً بإطارها ومحتواها فلا بد أن يرده ذلك إلى البعد الإسلامي ، لأنه في كلا الحالتين إن كان مسلماً فله ارتباطه بالإسلام عقيدة وشريعة وحضارة وتاريخاً وانتشاراً وامتداداً وموقفاً ودوراً ، وإن كان غير مسلم فله ارتباطه بالإسلام شريعة وحضارة وتاريخاً وانتشاراً وامتداداً وموقفاً ودوراً ، وهكذا ظل الانسجام بين هذه الأبعاد الثلاثة هو سيد الموقف على امتداد تاريخنا الإسلامي العربي وعلى امتداد حضارتنا الإسلامية العربية ، وما ظهر الصدام بينها إلا عندما ادعى البعض منا وجود صدام بينها ودعا بناءً على ذلك إلى الفصل بين البعد الإسلامي والبعد العربي أو بين البعد الإسلامي والبعد الفلسطيني أو بين البعد العربي والبعد الفلسطيني أو عندما حاول البعض منا أن يأخذ من هويتنا إطارها فقط وأن يترك محتواها عن سبق إصرار ، فإن هؤلاء البعض منا عندما قاموا بذلك واكتفوا بإطار الهوية العروبي الفلسطيني فقط أو بإطار الهوية الفلسطيني فقط وتخلوا عن البعد الإسلامي الذي كان ولا يزال يمد البعد العروبي والفلسطيني بالمحتوى ، عندما قاموا بذلك وجدوا أنفسهم يحملون هوية عروبية فلسطينية أو هوية فلسطينية ذات إطار ولا محتوى لها ، أي وجدوا أنفسهم في مأزق ووجدوا أنفسهم بحاجة إلى بديل عن المحتوى الذي تنازلوا عنه ، وحتى يتداركوا ذلك وقعوا في جدلية المزج بين الهوية العروبية الفلسطينية كإطار فقط وبين محتوى مستورد بغض النظر عن ماهيته وما حمل في طواياه من فلسفة عن الكون ومنهج للحياة وقيم وأخلاق كبديل عن المحتوى الأصلي لهويتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية ، ولقد أدركت الحركة الإسلامية كل ذلك ، ولذلك أدركت منذ الأساس أن التمسك بالهوية الإسلامية العروبية الفلسطينية كإطار ومحتوى يحتاج منها إلى بذل جهود جبارة وإلى بذل وقت طويل من مسيرتها وإلى اختيار خيرة أبنائها وبناتها لهذه المهمة ، ويحتاج منها إلى العمل المبكر في بناء الهوية منذ جيل الطفولة فصاعداً ، ويحتاج منها إلى إعداد خطة عمل ومنهج تربوي متدرج لا يتوقف بحيث تلزم به كل من إلتحق بها من ذكور وإناث وكبار وصغار وقيادة وأعضاء ، ويحتاج منها إلى تشجيع إقامة شبكة مؤسسات تلتقي جهودها مع جهود الحركة الإسلامية في بناء هويتنا والحفاظ عليها ، ويحتاج منها إلى خطاب سياسي وخطاب شعبي وخطاب إعلامي وخطاب مسجدي وخطاب دعوي وخطاب تربوي وخطاب فكري وخطاب فقهي وخطاب أدبي وخطاب فني تتوافق كلها كأنها خرجت من مشكاة واحدة وتتكامل بأداء دور واحد يصب في بناء هويتنا والحفاظ عليها ، وحرصت الحركة الإسلامية وهي تقوم بهذه المهمة الشاقة والشائكة والطويلة والمتواصلة ألا تحاصر نفسها بدائرة الحمائلية أو القبائلية أو الطائفية أو العصبية أو العرقية ، وحرصت الحركة الإسلامية وهي تؤدي هذه المهمة بنفس طويل وصبر جميل أن تؤكد للقاصي والداني تأكيداً قائماً على الدليل والبرهان ألا تصادم بين العلم والإيمان ولا بين الدين والمدنية ولا بين عالمية الإسلام وقومية العروبة ووطنية الفلسطينية ولا بين التدين والتحضر ولا بين الأصالة والحداثة ولا بين الثبات والتطور ، ومن ظن أن هناك تصادماً بينها أو بين بعضها فقد أساء فهم هويتنا بكل أبعادها الثلاثة الإسلامي والعروبي والفلسطيني ، وكيما تتقن الحركة الإسلامية مهمة بناء هويتنا بأبعادها الثلاثة الإسلامي والعروبي والفلسطيني والحفاظ على هذه الهوية وفق كل المعايير الواردة أعلاه فقد أنجزت الحركة الإسلامية ما يلي خلال مسيرتها خاصة خلال العقدين الماضيين :
 
1. أعدت الحركة الإسلامية برنامجاً تربوياً شاملاً يضم حفظ أجزاء من القرآن الكريم ودراسة تفسير سور منه ، وحفظ سلسلة أحاديث نبوية ودراسة شرح هذه الأحاديث ، ودراسة السيرة النبوية ، وأبجديات أصول الفقه وعلم الحديث وأهم مسائل الفقه ، ودراسة محطات هامة في حياة الصحابة وفي التاريخ الإسلامي العربي ، ودراسة العقيدة وأركان الإيمان والإسلام ، ودراسة أصول الفكر الإسلامي والأفكار المعاصرة ، ودراسة القضية الفلسطينية ، وواقع مجتمعنا في الداخل الفلسطيني ، ومتابعة دراسة المجتمع الإسرائيلي من خلال أوراق سياسية متغيرة .
 
2. صاغت الحركة الإسلامية هذا البرنامج التربوي الشامل على صورة مراحل تكمل بعضها وألزمت أعضاء الحركة الإسلامية _ذكوراً وإناثاً_ أن يواظبوا على حضور اللقاءات التي يدرسون فيها هذا البرنامج التربوي الشامل منذ مرحلته الأولى فصاعداً ، ووفَّرت المربين والمربيات الأكفاء الذين أشرفوا على إدارة كل هذه اللقاءات منذ مرحلتها الأولى فصاعداً ، وثابرت الحركة الإسلامية على متابعة هذه اللقاءات لإعداد جيل متمسك بهويته ومفتخر بها ، ويجمع بين كل أبعاد هذه الهوية ويضبط حياته وفق استحقاقاتها .
 
3. عززت الحركة الإسلامية هذا البرنامج التربوي الشامل ببرنامج دعوي شامل يخاطب كل أهلنا في الداخل الفلسطيني إما من على منابر المساجد ودروسها وإما من خلال المهرجانات الكبرى مثل (مهرجان الأقصى في خطر) ، وإما من خلال نشاطات كبرى مثل (يوم العودة) أو (يوم التواصل مع النقب) أو من خلال الأسابيع الدعوية الشعبية العامة ، أو من خلال أيام النفير إلى المسجد الأقصى والاعتكاف فيه ، أو من خلال الالتزام بكافة نشاطات لجنة المتابعة العليا ، حيث هدفت الحركة الإسلامية من وراء كل ذلك إلى تعزيز بناء هويتنا بكل أبعادها ، الإسلامي والعروبي والفلسطيني ، في أكبر عدد ممكن من أبناء مجتمعنا في الداخل الفلسطيني سواء كانوا من أعضاء الحركة الإسلامية أو من أنصارها أو من المتواصلين معها أو من سائر مجتمعنا في الداخل الفلسطيني .
 
4. باركت الحركة الإسلامية إقامة المجلس الإسلامي للإفتاء الذي قام كيما يُبَصِّر قطاعاً واسعاً من مجتمعنا في الداخل الفلسطيني بأمور حياتهم وفق ميزان الحلال والحرام والواجب والمستحب والمكروه ، وهو من شأنه أن يُعزز قوة بناء محتوى هويتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية في نفوس أهلنا .
 
5. باركت الحركة الإسلامية إقامة مؤسسات علمية أو تربوية من شأنها أن تلتقي مع الحركة الإسلامية ببناء الهوية والحفاظ عليها مثل كلية الدعوة والعلوم الإسلامية ومؤسسة حراء ومؤسسة اقرأ .
 
6. حرصت الحركة الإسلامية على إقامة علاقات دائمة مع كل قطاعات مجتمعنا في الداخل الفلسطيني بغض النظر عن انتمائها الديني أو السياسي بهدف الحفاظ على ترابط نسيجنا الاجتماعي صمام الأمان لهويتنا .
 
7. حرصت الحركة الإسلامية على دعم دائم للجنة المتابعة العليا وإلزام كل أعضاء الحركة الإسلامية بنشاطات لجنة المتابعة من أجل ترسيخ الانتماء إلى كل أبعاد هويتنا الإسلامي والعروبي والفلسطيني .
8. حرصت الحركة الإسلامية على إقامة شبكة علاقات واسعة جداً مع أمتنا المسلمة وعالمنا العربي وشعبنا الفلسطيني ، وقد كتبتُ عن ذلك بالتفصيل في الحلقة السابقة التي تحدثت فيها عن مشروع التواصل .
 
9. بادرت ‫#‏الحركة_الإسلامية‬ خلال السنوات الماضية للإعلان عن وثيقة بعنوان (الميثاق الاجتماعي) ، ثم عن وثيقة أخرى بعنوان (ميثاق السلم الاجتماعي) ، بهدف الحفاظ على ثوابتنا ، واحترام مساحة الذي يمكن أن نختلف فيه ، ونبذ لغة العنف والاحتراب والقبائلية والطائفية ، والتمسك بهويتنا الجامعة بكل أبعادها الإسلامي والعروبي والفلسطيني .
10. دعت الحركة الإسلامية كل مجتمعنا في ‫#‏الداخل_الفلسطيني‬ على اختلاف تعددياته الدينية والسياسية أن نتصرف كشعب لا كطوائف ، وكمجتمع لا كقبائل ، لأن من شأن ذلك أن يحفظ علينا هويتنا في بوتقة المصير الواحد والقرار الواحد والموقف الواحد .

بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]

أضف تعليق

التعليقات

تعليقات Facebook