اغلاق
اغلاق
  ارسل خبر

"التبسيط والتيسير لا التكَلُّف والتعقيد ..." للشيخ علي الدنف

 
تبسيط الامور وتيسيرها  - كم نفتقدهما في كل نواحي الحياة اليومية؟!! كم من كلامنا.. وافعالنا.. ومظاهرنا..  ومناسباتنا ينبغي أن تكون بعيده عن حياة التعقيدات.
 
بعضنا إذا تكلَّم تَكلّف وإذا أنفق أسرف وإذا تعامل عَقّد الأمور . - كم نفتقد إلى البساطة واليُسر - في العرض لا المضمون-  بخِطابنا الدعوي الوعظي ؟!!
 
* و ليس من قبيل الصُدفة يا سادة يا كِرام.. أن تُذكر كلمة اليُسر في القرآن الكريم 36 مرة وذُكرت كلمة العُسر 12 مرة ، أي ان اليُسر ثلاثة اضعاف العُسر !!!
 
- لا بد أن  تبُثّ لنا هذه الارقام 36 و 12 إشاعاعاتٍ فِكرِيَّة مُضيئة ، أن هذه الشريعة السمحاء ، هذا الدين العظيم وكُلّ مَن يحمله ، يمتلك اليُسر بكل أشكاله و معانيه  يُسر الخِطاب ويُسر التعامل ويُسر المفاهيم .
 
كما إن اليُسْر مقصد من مقاصد الدِّين الكبرى ، جعله الله تعالى أساساً لكل ما أمر به ونهى عنه في كتابه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، وأمرنا أن نلتزمه في فَهمنا للدين والعمل به والدعوة إليه ؛ فقال تعالى : { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ} (البقرة )  وقال تعالى (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا) (مريم )
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إن خير دينكم أَيْسره ، إن خير دينكم أَيْسره ، إن خير دينكم أَيْسره » وفي لفظٍ : « إنكم أمة أُريد بكم اليُسْر » . 
ولا ريب أن هذا الحديث يُشير إلى الدِّين الممارس لا الذي أنزله الله تعالى ،فإن ذلك ميسّر في أصله لا يحتاج إلى أن ييسّره إنسان .
 
وقال رسول الله صلى الله عليه : "حُرِّم على النار كلُّ هيِّن ليِّن سهل، قريب من الناس "
 
- حياة البساطة باتت عُمله نادرة في كل زمان 
و رحم الله ُ أبو العتاهية كان يُردد ويقول :
رغيفُ خبزٍ يابس ٍ ... تأكله في زاوية
وكوزُ ماءٍ باردٍ  ...  تشربهُ من صافية
وغرفةٌ ضيّقة …  نفسك فيها خالية
أو مسجد بمعزلٍ …  عن الورى في ناحية .
تدرسُ فيه دفتراً …  مستنداً لسارية
معتبراً بمن مضى …  من القرون الخالية
خير من الساعاتِ في …  فيءِ القصور العالية .
تعقبها عقوبة …  تصلى بنارٍ حامية
فهذهِ وصيتي ...  مخبرةٌ بحالية
طوبى لمن يسمعها … تلكَ لعمري كافية!
فاسمع لنصحِ مشفقٍ … يدعى أبا العتاهية .
 
إعلم يا صديق.. 
أن البساطة هي جمال الروح والقول ، وبساطة القول مفتاح مِن مفاتيح القلوب التي تترك أثراً طيّباً عند أصحاب العقول الراقية. لأن التصنُّع والتكلُّف سرعان ما يقود صاحبه الى الرياء وإدمان المدح والثناء. 
 
- كم نحن نحتاج الى سهولة العرض لديننا و تيسير وتبسيط خطابنا . 
وبعضنا سواء كان مُتحدِّثاً او معلماً او واعظاً يلجأ إلى إستخدام غرائب الألفاظ لكي يستعرض عضلاته اللغويِّة  بتقعُّر الكلام وتصنُّع الحال إلى حدّ التشدُّق والتفلسُّف وكأنه يتحدث ألغاز وطلاسم !!
 ظناً منه أن ذلك يرفع من مستواه !!؟؟
علماً بانه  مخالفاً لنهج  النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي كان  يتكلّم بلُغةٍ ونَبرةٍ يفهمها الصغير  والكبير والأعرابي الذي جاء من الصحراء والمُهاجر الذي جاء من مكه والانصاري الذي سكن المدينة وعوام الناس ، 
 
عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها- قالت : "كان كلام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فَصلاً، يفهمه كل من يسمعه "  أي: أن لغته كانت بسيطة بعيدة تمامًا عن التقعُّر في الكلام. وتقول أيضًا -رضي الله عنها- : "كان يحدّثنا حديثًا لو عدَّه العادُّ لأحصاه، ولم يكن يسرد الحديث كسردكم " ، أي أنه لم يكن يُكثر من الكلام بسرعة، ولكنه كان إذا تكلم كان كلامه واضحًا سهلاً مفهومًا. ويقول صاحبه أنس(رضي الله عنه): " كان إذا تكلّم بالكلمة أعادها ثلاثًا؛ حتى تُفْهَم عنه "، أي: أنه إذا خطب في الجموع ربما لا يسمعه البعيد، فكان يعيد كلامه ليُسمَع ويُفهَم.
 
- إن الكلمة السهلة الميسورة إذا أُحسِن إختيارها تؤثر تأثيرًا بالغًا في النفوس، وتخترق القلوب قبل الآذان .
 
-  إحرص يا أيها الداعي إلى الله.. 
إلى مُخاطبة الناس على قدر عقولهم وعلى مقدار ما يستوعبون ويفهمون أي ببساطة الألفاظ والعَرض  ، وورد في صحيح الإمام مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه: " ما أنت بمحدِّث قوما حديثًا لا تبلُّغُه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة " 
وعن علي -رضي الله عنه-  قال :  " حدِّثوا الناس بما يُطيقون أتحبون أن يُكذَّب الله ورسوله " 
ومعنى هذا الكلام أن التكلفُّ والتعقيد في الخِطاب الدعوي  من خلال المواعظ والخُطب وإغراقهما بغرائب الكلمات والمفردات، مُنفِّر للناس ومُسبِّب للفتن كما ذُكر في الحديث السابق . ويُصعّب علينا شرح الإسلام للمسلم وغير المسلم. 
 
- تخيَّل معي هذا الموقف !!
 يقول الشيخ الأديب علي الطنطاوي  -رحمة الله عليه-     في كتابه تعريف عام بدين الاسلامقال : " قلت مرة لتلاميذي : ( لو جاءكم رجل أجنبي ، فقال لكم : إن لديه ساعة من الزمن ، يريد أن يفهم فيها ما الإسلام ، فكيف تفهمونه الإِسلام في ساعة ؟ ) . قالوا: ( هذا مستحيل !!! ولا بد له أن يدرس التوحيد والتجويد ، والتفسير والحديث والفقه والأصول ، ويدخل في مشكلات ومسائل ، لا يخرج منها في خمس سنين ) . قلت : ( سبحان الله ، أما كان الأعرابي يقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيلبث عنده يوماً أو بعض يوم ، فيعرف الإِسلام ويحمله إلى قومه ، فيكون لهم مرشداً ومعلماً ، ويكون للإِسلام داعياً ومبلغاً ؟ وأبلغ من هذا ، أما شرح الرسولُ الدينَ كلّه في حديث ( سؤال جبريل ) بثلاث جُمل ، تكلم فيها عن : الإِيمان ، والإِسلام ، والإِحسان ؟ فلماذا لا نشرحه اليوم في ساعة ؟ " .
 
 وحدث ذلك في زمان رسول الله جاءه أعرابي  يسأله عن الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خمس صلوات في اليوم والليلة ) ، فقال : هل عليَّ غيرها ؟ ، قال : ( لا ، إلا أن تطوع ) ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وصيام رمضان ) ، قال : هل علي غيره ؟ ، قال : ( لا ، إلا أن تطوع ) ،  وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة ، قال : هل علي غيرها ؟ ، قال : ( لا ، إلا أن تطوع ) ، قال : فأدبر الرجل وهو يقول  : والله لا أزيد على هذا ولا أنقص ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (  أفلح إن صدق ) .
 
خلاصة القول نحتاج لفهم يُسر وبساطة هذا الدين العظيم لكي نتمكن من عَرضه بسهولة ويُسر إلى الناس أجمعين 
 
نسأل الله تعالى أن يُلهمنا الخير والصواب ، والحمد لله رب العالمين .
 
الداعي لكم بالخير
الشيخ علي الدنف
رئيس الحركة الاسلامية - الرملة

بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]

أضف تعليق

التعليقات

1
كيفك يا شيخ شو اخبارك وبارك الله فيك وجزاك الله خير الجزاء
ياسمين - 25/08/2015
رد

تعليقات Facebook