اغلاق
اغلاق
  ارسل خبر

("ستيماتسكي" وثقافة الكراهية) لعبد الحكيم مفيد

 
لم تجد شبكة "ستيماتسكي" الاسرائيلية للتوزيع والنشر اعلانا في مثل هذه الايام ، يمكن ان يكون لافتا مثل الاعلان عن نيتها توزيع اعدادا من صحيفة "شارلي ايبدو" الفرنسية والتي تحوي رسومات مسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام.
 
ولا حاجة هنا طبعا، ولا أهمية، للدوافع خلف التوزيع التي تتخذ طابعا تجاريا، فالشبكة ما زالت تعاني من أزمة مالية، بعد ان اضطر أصحابها بيعها مؤخرا لمالك جديد، وقد يكون هذا "اسلوبا" تسويقيا ، او لفت انتباه ونظر، او وضع الشبكة تحت "النار" وهو ما يرفع من حالة الاهتمام الاعلامي بها، لكن في النتيجة النهائية، سواء وزعت "ستيماتسمكي" ام لم توزع، فإن النتيجة التي ارادتها قد تحققت، "ستيماتسكي" احتلت العناوين، وأصبحت محل اهتمام اعلامي "غير عادي"، وهو ما قصدته في رأينا، وهذا بطبيعة الحال لا يخفف من موقفها الذي يحمل طابعا عدائيا سافرا وسافلا وصارخا في ذات الوقت.
 
تشبه ما قامت "ستيماتسكي" هنا التحريض على العرب او على الحرب في ايام الانتخابات، كما يحدث مؤخرا في بلادنا، صحيح ان التحريض والتطرف يتحولان الى حالة اكثر رواجا ايام الانتخابات بهدف الاستقطاب، لكن صحيح ايضا ان كلاهما متأصل في الايام العادية، الكراهية للاسلام والتحريض عليه هي مسألة متأصلة لدى من يملكون "ستيماتسكي"، ولدى مستهلكوها بالاساس، في والايام العادية، وهي تستعملها كغرض تجاري (مثلا) .
 
والكراهية التي تعلن عنها "ستيماتسكي" في واقع الحال، أي إعادة نشر الصور المسيئة تحديدا، التي تسئ للنبي عليه الصلاة والسلام، تكشف من جهة اخرى مفهوم الحرب على الاسلام، او تكشف منه جانبا يتم اعتماده في هذه الحرب، التي يتم مؤخرا تكرار مقولة: "الحرب ليست على الاسلام بل على المتطرفين"، حتى ان رئيس الكنيست الاسرائيلي "يولي ادلشتاين" لم "يحرمنا" من تطميناته، أي نحن المسلمين الذين نرتجف بالعموم من أي اتهام موجه لنا، بغض النظر عن صحته وتأثيره أو أثره.
 
في الصور المسيئة للنبي عليه السلام هناك ما هو مذهل حقا، ليس الصور طبعا، فمثلها ينشر الالاف يوميا ناهيك عن الشتائم والاذلال البعيد عن الاعلام، وقبلها الحرب المتواصلة التي تداس بها كرامة المسلمين يوميا على الاقل منذ الاعلان عن الحرب العالمية الثالثة، بعد أحداث 11 ايلول.
 
هناك جانبا يكشف من وجهة نظرنا بعدا في "الثقافة الغربية"، ويعمق من جهة اخرى نظرية "صدام الحضارات" التي يستند اليها الغرب، تحديدا منذ بداية التسعينيات للتعامل مع المسلمين، وهي في تقديرنا تشكل اخطر جانب في هذه العلاقة، وهي التي يتم على اساسها تبرير السلوكية والافعال، ذات البعد الاجرامي كما احتلال العراق او افغانستان او أي مكان اخر.
 
قد يغيب عن البعض مثلا تلك الموازنة التي تتم بخبث بين "حرية التعبير" لدى الفرنسيين، وما تشكل في حياتهم من أهمية، وبين المس بأهم رمز لدى المسلمين، النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
 
يمكن الانتباه مثلا الى التركيز على "المس" بحرية التعبير التي "يعبدها" الاوروبيين عامة والفرنسيين بشكل خاص، والتغاضي للغاية عن المس بالنبي صلى الله عليه وسلم, والاسلام والمسلمين، ثم تكرار مقوله هي اشد مسا بالاسلام والمسلمين ان :"الحرب ليست على الاسلام وانما على المتطرفين"، أي ان المس بالنبي عليه الصلاة والسلام ليس مسا بالاسلام من وجهة نظر من يكررون المقولة، وهو غير صحيح موضوعيا، كل انسان سوي على الارض يعرف ان المس بنبي الاسلام هو مسا بالاسلام اولا، ولا تحتاج هذه المقولة لاثبات.
 
غير ان الادعاء بعدم استهداف الاسلام وانما "المتطرفون" منهم، هي اهانة اخرى في تقديرنا توجه للمسلمين، لكنها ترتبط بالحق المطلق لطرف بفعل أي شئ دون ان يتهم بالاساءة او التطاول ، فيما يصبح رفض هذا الاساءة "تطرفا" او في اقل تقدير "تهورا".
 
ولا تخلو هذه النظرة من عنصرية مليئة بالكراهية، تشكل احد اعمدة الثقافة الاوروبية تاريخيا تجاه العرب والمسلمين عامة وتجاه من استعمرتهم بوجه عام.
 
في هذه الرؤيا التي عمقتها "ثقافة الاستعمار" والامبريالية مع نهاية الحرب الباردة لتحولها الى "صدام حضارات" تبرر حالة المواجه او تمنحها بعدا جديدا، هو استمرار لحالة المواجهة القائمة تاريخيا بين اوروبا البيضاء التي استعمرت وقتلت واذلت ونهبت الثروات، وحولت مشروعها الاستعماري الدموي القذر المبني على اساس عنصري اقصائي، الى مشروعا دمويا يبرر للبيض اهل "النور " ان سحق الاخرين تحت اقدامهم، لانهم في الحقيقة ليسوا اكثر من "مبشرون" بحياة جديدة مليئة بالتقدم والتطور لاناس متخلفون، لا يفقهن من امرهم شيئا.
 
ليس "شارلي ايبدو" في هذه السياق الا نتاج ثقافة تعيش مئات السنين وتستند الى مبررات "اخلاقية" تتخذ طابعا دينيا، مرة على شكل حروب صليبية ومرة على شكل استعمار يعيث فسادا في الارض، ومرة على شكل حروب همجية يموت بها مئات الملايين، ومرة على شكل استعباد وابادة، لكنها مع كل هذا الفعل الدموي الذي يصل حد البوهيمية، مع كل ما تحمل من "بشائر ابادة"، لا تعترف لاحد بالوجود، بل تبرر ابادته على اساس احقيتها بالوجود.
 
لا يمكن المساس بحق الفرنسيين بالتعبير عن رأيهم، والمس بالنبي صلى الله عليه وسلم، لكن من جهة اخرى لا يمكن قبول أي اعتراض للمسلمين على ذلك، لان حرية "المس" هنا تفوق حرية "الدفاع"، حق الفرنسيين في الشتيمة والتهكم والاساءة يفوق حق المسلمين في مجرد الاعتراض، لسبب بسيط للغاية، المسلمون ليسوا اكثر "ممتلكات " فرنسية او اوروبية، يجوز صياغتهم واستعمالهم لحاجات فرنسا، واوروبا وامريكا، يمكن احتلالهم، يمكن استعمارهم، يمكن قتلهم، يمكن اعادة هندسة عقولهم، يمكن استعمالهم في المختبرات، يمكن اتهامهم بأية تهمة، يمكن شتمهم وإهانة كل رموزهم، يمكن قتلهم بالشكل المناسب.
 
أما هم فلا يملكون حق الاعتراض، لا يجوز لهم الصراخ ولا الالم، ولا حتى ابداء ملاحظة، فهم ليسوا اكثر من "حالة استعمارية"، و"مادة استعمارية" و"هدف استعماري"، يمكن تشكيلهم بحسب المرحلة, وتحديد شكل الصراع معهم، وفقط يمكن توجيه سؤال واحد لهم، بأي شكل يحبون قضاء نحبهم.

بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]

أضف تعليق

التعليقات

تعليقات Facebook